خط النسخ وأسباب ضعفه

خط النسخ وأسباب ضعفه

يتساءل الكثير يومًا بعد يوم عن السبيل للوصول إلى مستوى العمالقة الكبار في اتقان خط النسخ خصوصا وهو مما ﻻ شك فيه سؤال جعلني ابحث كثيرا عن سبب لعله يشفي غليلي فتتبعت حياة كبار النساخين والحمد لله دلني الله على سبب مهم وقفت عنده طويلًا، وقبل أن أقوله أحب أن ألفت نظركم الى تاريخ مهم وهو أن أول مصحف طبع كما يذكر التاريخ هي طبعة هامبورج في عام 1152 هجرية التي طبعها أحد مستشرقي ألمانيا وهو إبراهام هنكلمان، وكان هدفه التعرف على العربية والإسلام، واستغرق نص القرآن في هذه الطبعة 560 صفحة، وكل صفحة تتكون من 17 إلى 19 سطرا وليس المقام لذكر تفصيلها، وفي عام 1834 ميلادية ظهرت طبعة خاصة للمصحف في مدينة ليبيزيغ ولم تحظ هذه الطبعة بالعناية لمخالفتها قواعد الرسم الصحيح، وظهرت طبعتان في إيران أيضا في عامي 1828.... 1833 ميلادية في كل من طهران وتبريز وظهرت أيضا طبعات في الهند وفي الأستانة ابتداء من عام 1887 ميلادية، ولم تحظ هذه الطبعات بالقبول لعدم اهتمامها بالتدقيق وقواعد الرسم وتعد مصر الرائدة الأولى في أول مصحف انتشر وهو مصحف الملك فؤاد وتمت طباعته عام 1923ميلادية.

ومن هنا لو ركزنا جيدا على هذه الأعوام مع تاريخ وفاة الخطاطين سنجد أن بداية طباعة المصاحف كانت مع ختام خط النسخ، وآخر عمالقته رئيس الخطاطين أحمد الكامل والذي برأيي هو آخر من أجاد النسخ من العصر الذهبي، ومن أتى بعده كان له حظ لكنه لم يصل إلى مستوى الكبار، فكان لظهور مطابع المصحف الأثر الكبير في عدم إتقان خط النسخ فقد كان ملازما للقرآن الكريم، ونشاهد اليوم خطاطين أفذاذ في النسخ ولكنهم يصنعون اللوحة صناعة وهذه من ميزات الثلث الجلي وليس النسخ ومن أهم الأسباب التي أضعفت خط النسخ ما يلي:


1- النقل والتتابع:

فقد كان الخط ينقل من الأساتذة عن طريق الدراسة والملازمة فكل منهم يسعى لأن يكتب مصحفًا أجمل من الآخر فكان النسخ في يتطور في كل مصحف نراه ثم لما بدا طبع المصحف، شعر الكثير بأن المقصد انتهى وهو توزيع المصحف على أقطار الأرض وبدؤوا يهتمون بغيره من الخطوط ولذلك كان اﻻهتمام الأكبر بعد أحمد الكامل للثلث العادي والجلي.


2-تعلق النسخ بغير كلام الله:

فعظمة المتعلق تكمن في عظمة المتعلق به، فعندما كان النسخ قرين القرآن اكتسب عظمته وجماله ورفعته من كلام الله فكلما ذكر كتاب الله كان النسخ حاضرا وعندما صار لكلام البشر وقصائد الشعار نزلت منزلته وعظمته وإنما كان يزينه روح القرآن فهو السر الذي يميز خطوط الكبار في كتابة النسخ ومهما كتب الخطاط وأجاد في خط النسخ ﻻ يستطيع أن يأت بالروح الرفيعة إﻻ عندما يلامس معاني القرآن.


3- مقصد الكتابة:

فقد كان المقصد عظيم وهو نشر آيات الله الكريم في الأرض فعندما سمى المقصد رفع الله شأنهم وأعلى ذكرهم وجمل كتابتهم وكتب لها البقاء، ولما كان المقصد دنيويًّا لم تظهر معاني الجمال وروح الخط بل ظهرت أحرف متقنة في القواعد وخالية من روح السواعد.

نسأل الله أن يوفقنا، وإياكم إلى جمال الخط وجمال الروح.

وكتبه/ زكي الهاشمي

الأردن، عمان، 11/8/2014م.